كتب لورينزو توندو تقريرًا يكشف فيه جانبًا معتمًا من الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، عبر تتبع قصة خليل دواص، الفلسطيني الذي وُضع اسمه في خانة «المتعاونين» مع إسرائيل، وانتهى به الأمر جثةً مرفوضة من الجميع، بلا قبر ولا وداع.


تنقل الجارديان أن القصة خرجت إلى العلن بعد أن سلّمت حركة حماس، في 14 أكتوبر، أربع جثث إلى إسرائيل ضمن صفقة تبادل جثامين في إطار وقف إطلاق النار في غزة برعاية أمريكية، حيث أكدت الفحوص هوية ثلاث جثث، بينما كشفت أن الرابعة تعود لفلسطيني، لا لجندي إسرائيلي.


من لاجئ إلى متهم بالخيانة

 

وُلد خليل دواص في جباليا بقطاع غزة، ثم انتقلت عائلته لاحقًا إلى الضفة الغربية واستقرت في قرية تل قرب نابلس، قبل أن تحط الرحال في مخيم عقبة جبر للاجئين قرب أريحا عام 2014. وصفه ناصر شلوان، رئيس لجنة المخيم وعضو مجلس إدارة نادي الأسير الفلسطيني، بأنه شاب نشأ في أسرة بسيطة تضم خمسة أبناء، وانخرط في إحدى الفصائل الفلسطينية دون معرفة دقيقة بانتمائه التنظيمي.

 

في العام نفسه، اعتقلت القوات الإسرائيلية دواص مع شقيقه، وقضى لاحقًا ما مجموعه ست سنوات ونصف في السجون الإسرائيلية على فترتين. قال شلوان إن آخر احتجاز له جاء عام 2020 داخل سجن عوفر لمدة ستة أشهر دون توجيه تهمة، ضمن الاعتقال الإداري. خلال تلك الفترة، يعتقد سكان المخيم أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مارست ضغوطًا عليه لتجنيده.
آليات التجنيد والضغط

 

تشير شهادات سكان المخيم ومقاتلين فلسطينيين سابقين إلى أن إسرائيل تعتمد منذ عام 1967 على شبكة واسعة من المتعاونين الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة. تستخدم الأجهزة الأمنية أساليب متعددة للتجنيد، تشمل التهديد، والابتزاز، والضغط عبر تصاريح العمل، أو استغلال معلومات شخصية حساسة جُمعت من الهواتف والبريد الإلكتروني.

 

نقل التقرير عن تحقيق سابق لصحيفة «يديعوت أحرونوت» شهادة منشق عن وحدة 8200 الاستخباراتية، قال فيها إن الجيش يستخدم الأسرار الشخصية، بما فيها التوجهات الجنسية أو الاحتياجات الطبية، لتحويل حياة المستهدف إلى «جحيم» حتى يرضخ للتعاون.

 

ظل السبب الحقيقي لتحول دواص من معتقل إلى مشتبه بتعاونه مع إسرائيل لغزًا بلا إجابة، لكن سلوكه بعد الإفراج عنه أثار الريبة داخل المخيم.
الشك، ثم النبذ

 

بعد خروجه من السجن، لاحظ سكان عقبة جبر تصرفات غير مألوفة. قال شلوان إن دواص بدأ ببيع ذخيرة بأسعار زهيدة جدًا مقارنة بسعرها الحقيقي، وهو ما اعتبره أفراد المقاومة مؤشرًا خطيرًا، لأن مهربي الذخيرة غالبًا ما يعملون كطُعم لاستخراج معلومات عن المسلحين.

 

تعززت الشكوك عقب اقتحام إسرائيلي واسع للمخيم في فبراير 2023، أسفر عن مقتل خمسة فلسطينيين. بعد أسبوع، اعتقلت أجهزة السلطة الفلسطينية دواص للاشتباه بتعاونه مع إسرائيل، لكنها أفرجت عنه لاحقًا لعدم كفاية الأدلة. عند عودته، واجه رفضًا اجتماعيًا قاسيًا، وتعرض للتعذيب على أيدي شبان هددوه بالموت إن بقي في أريحا.

 

نهاية بلا قبر

 

اختفى دواص نحو عام كامل. ثم في مايو 2024، عرضت حماس مقاطع مصورة قالت إنها لكمين استهدف جنودًا إسرائيليين داخل نفق في جباليا. ظهر جسد يرتدي زيًا عسكريًا، وتعرف عليه سكان المخيم فورًا: كان خليل دواص. حاول غاضبون اقتحام منزل عائلته، ما دفع شلوان إلى التدخل وحث الأسرة على إصدار بيان تبرؤ لمنع الانتقام.

 

بقي جثمان دواص في غزة أكثر من عام. وعندما أعادت حماس جثامين أربعة أشخاص قالت إنهم جنود إسرائيليون، أكدت إسرائيل أن ثلاث جثث تعود لجنود قتلوا في 7 أكتوبر 2023، بينما تعود الرابعة لفلسطيني. أصرت حماس على أن دواص كان يرتدي زيًا عسكريًا إسرائيليًا.

 

قال شلوان إن إسرائيل عرضت لاحقًا إعادة جثمانه، لكن عائلته رفضت استلامه، خوفًا من أن يشجع دفنه آخرين على سلوك الطريق ذاته. نقل مسؤول في السلطة الفلسطينية عن سكان المخيم قولهم: «لن يُقبَل، حيًا أو ميتًا».

 

وصمة لا تزول

 

يوضح التقرير أن المتهمين بالتعاون مع إسرائيل يواجهون وصمة اجتماعية عميقة داخل المجتمع الفلسطيني، حيث تتجنب العائلات إقامة جنازات علنية، وقد يرفض القائمون على المقابر دفنهم. أكد الباحث هليل كوهين أن إسرائيل تميل إلى الصمت حول ملف المتعاونين لأسباب أمنية وأخلاقية، بينما يفضّل الفلسطينيون إنكار الظاهرة والتبرؤ من أصحابها.

 

حتى اليوم، لا يعرف أحد أين يرقد جثمان خليل دواص، في قصة تختصر مصيرًا رماديًا عالقًا بين الاتهام والخوف والإنكار، حيث لا مكان للخيانة، ولا مساحة للغفران.

 

https://www.theguardian.com/world/2025/dec/30/fate-of-palestinians-suspected-of-helping-israel